يوم البلاغه العربيه . للدكتور غالب قراله
د.غالب القرالة
بمناسبة يوم البلاغة العربية
البلاغة العربية :
مرت البلاغة العربية بتاريخ طويل من التطور حتى انتهت الى ما انتهت اليه وكانت مباحث علومها مختلطا بعضها ببعض منذ نشأة الكلام عنه في كتب السابقين الأولين من علماء العربية وكانوا يطلقون عليها البيان ومن الكتب التي عنيت بالصور البيانية (معاني القرآن ) للفراء في 207 هجرية والذي يعنى فيه بالتأويل وتصوير خصائص بعض التراكيب والاشارة الى ما في آي الذكر الحكيم من الصور البيانية وكتاب (مجاز القرآن ) لأبي عبيده معمر بن المثنى 211 هجرية وهو أول من تكلم بالمجاز ويهني بيان المعنى واشار الى بعض الاساليب البيانية كالتشبيه والاستعارة والكناية وبعض خصائص التعبير النحوية التي لها دلالات معنوية من مثل الذكر والحذف والالتفات والتقديم والتأخير 0أما طائفة العلماء المعلمين الاخرى التي ظهرت في العصر العباسي فهي طائفة علماء الكلام وفي طليعتهم المعتزلة الذين كانوا يدربون تلاميذهم على فنون الخطابة والجدل والبحث والمناظرة في الموضوعات المتصلة بفكرهم الأعتزالي ويعمق ويمتد حتى يشمل الكلام وصناعته وقيمته البلاغية والجمالية وحفظ لنا كتاب البيان والتبيين للجاحظ قدرا كبيرا من ملاحظات المعتزلة المتصلة بالبلاغة العربية وقد استقوها من مصدرين هما :
1- التقاليد العربية
2- الثقافات الاجنبية التي شاعت في عصرهم والتي أخذوا أنسهم بدراستها وتعمقوا في فلسفتها ومنطقها قد عادت عليهم بفائدتين لهما أثرهما في شؤون البلاغة : ا- فائدة عقلية بحته مصدرها دراسة الفلسفة الاغريقية التي نظمت عقولهم تنظيما دقيقا اعانهم على استنباط القضاي البلاغية 0
- ب- فائدة ترجع الى طلبهم لمعرفة مافي ثقافات الامم الاخرى التي وصلت اليهم من قواعد البلاغة والبيان 0 وأول معتزلي خطا خطوة ملحوظة في هذا السبيل هو رئيس المعتزلة ببغداد بشر بن المعتمر المتوفي سنة 210 هجرية فمنه نقل الجاحظ صفحات نثر فيها بشر ملاحظات دقيقة في البلاغة وقد خطا الجاحظ خطوة غير مسبوقة في ملاحظاته البلاغية وذلك بالكلام عن التشبية والاستعارة عن طريق النماذج مع التفريق بينهما كما استعمل المثل مرادفا للمجاز وجعله مقابلا للحقيقة وذلك اذ يقول عند حديثه عن (نار الحرب ) ويذكرون نارا اخرى وهي على طريق المثل لاعلى طريق الحقيقة قال ابن ميادة : يداه يد تنهل بالخير والندى واخرى شديد بالاعادي ضريرها وناراه نار نار كل مدفع وأخرى يصيب المجرمين سعيرها فالمثل المرادف عنده للمجاز مقابلا للحقيقة وهو أول من قسم اللفظ الى حقيقة ومجاز وينظر الى المجاز والاستعارة والتشبيه والكناية على انها عمد الاعجاز واركانه والاقطاب التي تدور البلاغة عليها
والمجاز اللغوي هو :
مجاز استعاري وهو ما كانت علاقته المشابهة ومجاز مرسل وهو ما كانت علاقته غير المشابهة ويعرف البلاغيون ( العلاقة ) بانها الامر الذي يقع به الارتباط بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي فيصح الانتقال من الاول الى الثاني وهذه العلاقة التي تربط في المجاز بين المعنيين : الحقيقي والمجازي قد تكون ( المشابهة ) نحو : رأيت زهرة تحملها أمها تريد هنا :طفلة كالزهرة في نظارتها وجمالها وقد تكون العلاقة ( غير المشابهة )كالجزئية في قوله تعالى :؛ واركعوا مع الراكعين—يريد ( وصلوا ) لان الركوع جزء من الصلاة فأطلق الجزء وأراد به الكل مجازا أما القرينة فعرفها البلاغيون ايضا بأنها الأمر الذي يصرف الذهن عن المعنى الحقيق الى المعنى المجازي وهي اما قرينة عقلية أي حالية نحو: ( أقبل بحر ) والسامع يرى رجلا وأما قرينة لفظية نحو رأيت بحرا يعظ الناس من فوق المنبر فعبارة يعظ الناس من فوق المنبر قرينة لفظية تدل على ان لفظة (بحر ) استعملت استعمالا مجازيا وللمجاز المرسل علاقات شتى منها : السببية:
وذلك بأن يطلق لفظ السبب ويراد المسبب نحو ( رعينا الغيث ) أي المطر وهو لايرعى وانما يرعى النبات
المسببية:
وذلك بأن يطلق لفظ المسبب ويراد السبب نحو ( أمطرت السماء نباتا) فذكر النبات وأريد الغيث الجزئية:
وهي تسمية الشيئ باسم جزئه ويراد الكل باطلاق الجزء نحو قوله تعالى في شأن سيدنا موسى عليه السلام ( فرجعناك الى أمك كي تقر عينها )وتقر عينها أي تهدأ ولفظة المجاز هنل هي ( عينها ) والذي يهدأ هو النفس والجسم لا العين وحدها لهذا اطلق الجزء واريد الكل الكلية :يعني تسمية الشيئ باسم الكل وهي اذا ذكر الكل أريد الجزء نحو في قوله تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السلام ( قال رب اني دعوت قومي ليلا ونهار فلم يزدهم دعائي الا فرار واني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم ) فكلمة أصابعهم هي المجاز فقد اطلقت واريد اناملهم او اطرافهم لان الانسان لايستطيع ان يضع أصبعه كله في أذنه اعتبار ما كان :
أي تسمية الشيئ باسم ما كان عليه نحو قوله تعالى ( وآتوا اليتامى اموالهم ) وكذلك مثال ( شربت البن ) تريد بذلك شربت ( قهوة ) كان اصلها البن فاطلاق البن على القهوة مجاز مرسل علاقته اعتبار ما كان اعتبار ما يكون :
وهو تسمية الشيئ باسم ما يؤول اليه نحو قوله تعالى على لسان الفتيين اللذين دخلا السجن مع يوسف عليه السلام ( اني اراني اعصر خمرا )فالمجاز هنا كلمة خمرا وهي لاتعصر لانها سائل وانما الذي يعصر هو العنب فاطلاق الخمر وارادة العنب مجاز مرسل علاقته اعتبار ما يكون المحلية :وهي ذكر المحل وأريد الحال فيه نحو قوله تعالى في زجر ابي جهل الذي كان ينهى النبي عن الصلاة ( فليدع نادية ) الامر خرج الى السخرية والاستخفاف بشأن ابي جهل بكلمة نادية فاننا نعرف ان النادي مكان للاجتماع والمقصود به من في هذا المكان من عشيرته وأنصاره فهو مجاز مرسل أطلق فيه المحل وأريد الحال الحالية :
وهي عكس العلاقة السابقة نحو قوله تعالى (ان الابرار لفي نعيم ) فالمجاز في كلمة نعيم والنعيم لايحل فيه الانسان لانه معنى من المعاني وانما يحل الانسان في مكانه الآلية :
وهو ذكر ألآلة وأريد به الاثر الذي ينتج عنه نحو قوله تعالى ( واجعل لي لسان صدق في الاخرين ) فالمجاز كلمة لسان والمراد واجعل لي قول صدق أي ذكرا حسنا فاطلق اللسان الذي هو آلة القول على القول نفسه المجاورة :
وهو ذكر الشيئ وأريد مجاوره ومن أمثلة ذلك قول عنترة :
فشككت بالرمح الاصم (ثيابه ) ليس الكريم على القنا بمحرم فالمجاز كلمة ثيابه التي اطلقت وأريد بها ما يجاورها من القلب او أي مكان آخر من الجسم يصيب الرمح منه مقتلا
تعليقات
إرسال تعليق